والنوع الثاني من أنواع الوسيلة: هي الوسيلة الشركية.
فالتوسل الشركي الذي يكون صاحبه مشركاً بالله هو أن يتوسل الإنسان إلى الله -بزعمه وفي نظره- بدعاء أحد من المخلوقين، ويعبده كما كان الجاهليون يقولون، ففي الآية: ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) [الزمر:3] أي ما نعبدهم إلا ليكونوا شفعاء لنا عند الله بما لهم من الجاه والقيمة والمنزلة عند الله.
فدعوا غير الله، وعبدوا غيره، زاعمين أنه يقربهم إلى الله، فكان المشركون إذا حجوا يقولون: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك.
فالمشركون لم يكونوا يعتقدون أن الآلهة المعبودات التي يعبدونها من دون الله أنها تملك الأشياء، أو أنها تخلق أو ترزق أبداً: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) [الزخرف:87]. وقال تعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) [لقمان:25]. وقال تعالى: ((لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)) [الزخرف:9] فكانوا يعتقدون أن الخالق والرازق والمحيي والمميت والذي يدبر الأمر وينزل الغيث هو الله وحده، لكن هذه تقرب إلى الله، وتشفع عنده، ولا تملك شيئاً إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك.
إذاً فمادام الله يملكه وما ملك، فلماذا لا تدعو الله وحده؟!
جاءهم الشيطان بشبهة، وهي التي يقولها إلى اليوم عباد الأصنام والقبور، يقولون: أنت ضعيف ومذنب ومسكين، فكيف تدعو الله مباشرة؟!
ادع الله عن طريق هؤلاء الصالحين؛ لأن لهم جاهاً ومنزلة وقيمة عظيمة، أما أنت فليس لك قيمة عند الله، فكيف تدعو الله؟!
ولكن هذا ليس مما شرعه الله: (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )) (غافر:60] وقال تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)) [النمل:62] فالله لم يقل أنه يجيب المؤمن إذا دعاه، نعم إن أعظم من يستجيب لهم هم المؤمنون، لكنه قال: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)) أو ليس الله هو الذي يغيث الكافرين إذا ركبوا البحر وجاءهم الموج من كل مكان، فإنهم يدعون الله مخلصين له الدين، فينجيهم ولكن: ((فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)) [العنكبوت:65].
إذاً الله تعالى يغيث المضطر، ويستجيب له ولو كان كافراً، وبعض الناس قد تخفى عليه هذه الحقيقة، فيقول: كيف استجاب له؟!
فالاستجابة موجودة، وكثير من الكفار إلى هذا اليوم يذكر أنه وقع في أزمة كحادث طائرة، أو في حادث سفينة، فيقول: تضرعت، ودعوت الخالق فأنجاني، وهذا في كتاب الله.
فالله تبارك وتعالى هو الذي يغيث؛ لأنه إذا لم يغثه الله فمن يغيثه، فلا أحد يملك لأحد شيئاً، فإذا تضرع إلى الله أغاثه الله ولو كان كافراً، لكن مشكلته أنه إذا خرج ونجا نسي ما كان يدعو من قبل، وعاد إلى دينه الأول.
فالمضطر والمظلوم وإن كان كافراً يستجاب له؛ لأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يجيب المضطرين إلا هو، ولا يغيث المظلومين والملهوفين إلا هو، فلو لم يغثهم فكيف تكون الحياة، ومن الذي يتولى ذلك؟
فإذا كان يغيث الكافر إذا دعاه، فما ظنك بالموحد المذنب؟
فمن خير ما يفعله المذنبون والمجرمون والعصاة أن يطرقوا باب الكريم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)) [الشورى:25] وقال: ((غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)) [غافر:3] فهذا شأنه سبحانه، فهو يريد العباد أن يتوبوا، ويدعوهم ليتوبوا: ((تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً)) [التحريم:8] {يبسط يده بالليل ليتبوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل} فالله يدعو الخاطئين والمذنبين والمجرمين ليدعوه فيتوب عليهم، وأن يستغفروه فيغفر لهم، وأن يقبلوا عليه فيقبل عليهم سبحانه.
فجاء هؤلاء المشركون دعاة الضلالة ليحرمونا من هذه المعاني، وجعلوها محصورة في الشرك الذي لا يقبله الله، بل هو مردود على صاحبه.
والتوسل الذي جعله الله تبارك وتعالى باباً عظيماً من أبواب الخير، وهو أنفع الأبواب، ضيقوه جداً وما جعلوه إلا بشيء واحد، وفيه بدعة إن لم يكن فيه شرك، وهو ذوات الأنبياء وذوات الصالحين، فلذلك نقول هذه شبهة داحضة، وما دام أولئك المدعوون المعبودون يدعون الله فنحن أيضاً ندعو الله، وإن كان فينا من الذنوب ما فينا، لكن هو المدعو وحده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ندعوه ونتضرع إليه، ولن يرد من دعاه، ولن يحرم من سأله أبداً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
والدعاء أمره عظيم وشأنه جليل، وحسبنا أن نقول: إن دعاء غير الله هو الشرك الأكبر، فإذا قال: يا بدوي! أو يا حسين! أو يا عباس! كائناً من كان؛ فهذا مشرك الشرك الأكبر، إذا كان دعا غير الله معتقداً أنه يستجيب له، ولو قال: لا أنا لا أقصد أنه إليه، بل أنا أقصد فقط التقرب إلى الله بدعائه، فهذا ما قاله المشركون: ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى))[الزمر:3] فهذه شبهة المشركين الأولين.
إذاً نحن ندعو الله، ولو أن هؤلاء الناس الذين يعبدون غير الله تأملوا حال المدعوين؛ لكانوا كما قال الله في الآية السابقة التي دحض بها كل شبهة.